فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد أصدق عمرُ أُمَّ كُلْثُوم بنت عليّ من فاطمة رضوان الله عليهم أربعين ألف درهم.
وروى أبو داود عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «أترضى أن أُزوِّجك فلانة؟» قال: نعم.
وقال للمرأة: «أترضين أو أُزوِّجك فلانًا؟» قالت: نعم.
فزوّج أحدهما من صاحبه؛ فدخل بها الرجل ولم يفرض لها صداقًا ولم يعطها شيئًا، وكان ممن شهد الحُدَيْبِيَة وله سهم بخَيْبَر؛ فلما حضرته الوفاة قال؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوّجني فلانة ولم أفرض لها صداقًا ولم أعطها شيئًا، وإني أشهدكم أني قد أعطيتها من صداقها سَهْمِي بخيبر؛ فأخذت سهمها فباعته بمائة ألف وقد أجمع العلماء على ألاّ تحديد في أكثر الصداق؛ لقوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} واختلفوا في أقله، وسيأَتي عند قوله تعالى: {أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24].
ومضى القول في تحديد القنطار في [آل عمران].
وقرأ ابن محيصن {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ} بوصل ألف {إِحْدَاهُنَّ} وفي لغة؛ ومنه قول الشاعر:
وتسمع من تحت العجَاج لها أزْمَلا

وقول الآخر:
إن لم أُقاتلْ فالبسوني بُرْقُعًا

. اهـ.

.قال الثعلبي:

فصل فيما ورد من الأخبار في الرخص في مغالاة المهر لقوله: {وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا}:
عن عطاء الخراساني: قال خطب عمر إلى علي ابنته أم كلثوم وهي من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنها صغيرة، فقال عمر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلاّ نسبي وصهري» فلذلك رغبت فيها.
فقال علي رضي الله عنه: إني مرسلها إليك حتى تنظر إلى صغرها فأرسلها إليه، فجاءته فقالت: إن أبي يقول لك هل رضيت النحلة. فقال: رضيتها. قال: فأنكحه ابنته وصدقها عمر أربعين ألف درهم.
وعن ابن سيرين: إن الحسن رضي الله عنه تزوج بامرأة، فبعث إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم.
وروى مرشد بن عبد الله البرني عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير النكاح أيسرهُ» وقال صلى الله عليه وسلم لرجل: «أترضى أن أُزوجك فلانة؟» قال: نعم، قال للمرأة: «أترضين أن أزوجك فلانًا؟» قالت: نعم، فزوج أحدهما بصاحبه، فدخل عليها الرجل ولم يفرض لها صداقًا ولم يعطها شيئًا، وكان ممّن شهد الحديبية وله سهم بخيبر، فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوّجني بفلانة ولم أفرض لها صداقًا ولم أعطها شيئًا، وإني قد أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر، فأخذت سهمها ذلك فباعته بمائة ألف.
وعن ضمرة بن حبيب أن أم حبيبة كانت بأرض الحبشة مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأن رسول الله زوّجها فأصدق عنه النجاشي أربعمائة دينار.
وبه عن ابن سيرين عن ابن عباس أنه تزوج سليمة السلمية على عشرة آلاف درهم.
حماد بن سلمة عن ابن بشر أن عروة البارقي تزوج بنت هاني بن قبيصة على ألف درهم.
وعن غيلان بن جرير أن مطرفًا تزوج امرأة على عشرة ألف أواق.
فصل فيمن كره ذلك، والكلام في أقل المهر:
عن ابن سيرين قال: حدثنا أبو العجفا السلمي، قال: سمعت عمر وهو يخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال: ألا لا تغالوا في صداق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم به النبي صلى الله عليه وسلم ما أصدق امرأة من نسائه ولا امرأة من بناته فوق اثنتي عشرة أوقية، ألا وإن أحدكم ليغلي بصدقة امرأة حتى يُبقي لها عداوة في نفسه، فيقول: كانت لك حلق القربة أو عرق القربة.
عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يُمن المرأة تيسير صداقها وتيسر رحمها».
قال عروة: وأنا أقول من عندي من أول شؤمها أن يكثر صداقها.
سعيد بن يسار عن أبي هريرة قال: كان صداقنا مُذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أواق وهو أربعة دراهم.
ثابت البناني عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن أثر صفرة وقال: «ما هذا؟» فقال: يا رسول الله تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بارك الله لك أولم ولو بشاة».
يقال: هي خمسة دراهم.
وعن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قيامًا طويلا، فقام رجل فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل عندك من شيء تصدقها إياه؟» قال: ما عندي إلاّ إزاري هذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس شيئًا» فقال: ما أجد شيئًا. فقال: «التمس ولو خاتمًا من حديد»، فالتمس فلم يجد شيئًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل معك من القرآن شيء؟» قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا، لسور سمّاها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زوجتك بما معك من القرآن».
وعن عبد الله بن عامر عن أبيه: أن رجلا تزوج امرأة على نعلين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرضيت مالك بهاتين النعلين؟» قال: نعم فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن أبي حدرد الأسلمي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم استعينه في مهر امرأة فقال: «كم تصدقها؟» قلت: مائتي درهم. فقال: «لو كنتم تغرفون من بطحان ما زدتم».
مسلم بن رومان عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعطى في صداق ملء كفيه سويقًا أو تمرًا فقد استحل».
وعن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بامرأة على عشرة دراهم.
أحمد بن حنبل عن الحسن بن عبد العزيز قال: كتب إلينا ضمره عن إبراهيم بن عبد الله الكناني أن سعيد بن المسيب زوج ابنته على درهمين.
وكيع عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي شيبة عن جدّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استحل بدرهم فقد استحل» قال وكيع: في النكاح.
وعن عبد الله بن يزيد مولى الأسود أن رجلا تسرَّ جارية له فكرهها، فقال له رجل: هبها لي، فوهبها له فذكر ذلك لسعيد بن المسيب، فقال: إن الهبة لم تجز لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أصدقها سوطًا لحلت.
المغيرة عن إبراهيم قال: السنة في الصداق الرطل من الورق، كانوا يكرهون أن يكون مهر الحرائر مثل مهور البغايا بالدرهم والدرهمان، ويحبون أن يكون عشرين درهمًا. اهـ.

.قال القرطبي:

واختلف العلماء إذا كان الزوجان يريدان الفراق وكان منهما نشوزٌ وسوء عشرة؛ فقال مالك رضي الله عنه: للزوج أن يأخذ منها إذا تسببت في الفراق ولا يراعى تسببه هو.
وقال جماعة من العلماء: لا يجوز له أخذ المال إلاَّ أن تنفرد هي بالنشوز وتطلبه في ذلك. اهـ.

.قال الفخر:

هذه الآية يدخل فيها ما إذا آتاها مهرها وما إذا لم يؤتها، وذلك لأنه أوقع العقد على ذلك الصداق في حكم الله، فلا فرق فيه بين ما إذا آتاها الصداق حسًا، وبين ما إذا لم يؤتها. اهـ.

.قال أبو حيان:

قال أبو بكر الرازي: وفي الآية دليل على أن من أسلف امرأته نفقتها لمدة ثم ماتت قبل انقضاء المدة، لا يرجع في ميراثها بشيء مما أعطاها لعموم اللفظ لأنه جائز، أن يريد أن يتزوج أخرى بعد موتها مستبدلًا بها مكان الأولى.
وظاهر الأمر قد تناول هذه الحالة انتهى.
وليس بظاهرٍ لأنّ الاستبدال يقتضي وجود البدل والمبدل منه، أما إذا كان قد عدم فلا يصح ذلك، لأن المستبدل يترك هذا ويأخذ آخر بدلًا منه، فإذا كان معدومًا فكيف يتركه ويأخذ بدله آخر؟ وظاهر الآية يدل على تحريم أخذ شيء مما أعطاها إن أراد الاستبدال، وآخر الآية يدل بتعليله بالإفضاء على العموم، في حالة الاستبدال وغيرها.
ومفهوم الشرط غير مراد، وإنما خص بالذكر لأنها حالة قد يتوهم فيها أنه لمكان الاستبدال وقيام غيرها مقامها، له أن يأخذ مهرها ويعطيه الثانية، وهي أولى به من المفارقة.
فبيّن الله أنه لا يأخذ منها شيئًا.
وإذا كانت هذه التي استبدل مكانها لم يبح له أحد شيء مما آتاها، مع سقوط حقه عن بضعها، فأحرى أن لا يباح له ذلك مع بقاء حقه واستباحة بضعها، وكونه أبلغ في الانتفاع بها منها بنفسه. اهـ.

.قال الفخر:

احتج أبو بكر الرازي بهذه الآية على أن الخلوة الصحيحة تقرر المهر، قال وذلك لأن الله تعالى منع الزوج من أن يأخذ منها شيئا من المهر، وهذا المنع مطلق ترك العمل به قبل الخلوة، فوجب أن يبقى معمولا به بعد الخلوة قال: ولا يجوز أن يقال إنه مخصوص بقوله تعالى: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وذلك لأن الصحابة اختلفوا في تفسير المسيس فقال علي وعمر: المراد من المسيس الخلوة، وقال عبد الله: هو الجماع، وإذا صار مختلفا فيه امتنع جعله مخصصا لعموم هذه الآية.
والجواب: أن هذه الآية المذكورة هاهنا مختصة بما بعد الجماع بدليل قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أفضى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ} وإفضاء بعضهم إلى البعض هو الجماع على قول أكثر المفسرين وسنقيم الدلائل على صحة ذلك. اهـ.
قال الفخر:
اعلم أن سوء العشرة إما أن يكون من قبل الزوج، وإما أن يكون من قبل الزوجة، فإن كان من قبل الزوج كره له أنه يأخذ شيئا من مهرها لأن قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُّمُ استبدال زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَءاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا} صريح في أن النشوز إذا كان من قبله فإنه يكون منهيا عن أن يأخذ من مهرها شيئا، ثم ان وقعت المخالعة ملك الزوج بدل الخلع، كما ان البيع وقت النداء منهي عنه، ثم انه يفيد الملك، وإذا كان النشوز من قبل المرأة فههنا يحل أخذ بدل الخلع؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ} [النساء: 19]. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا} قال بكر بن عبد الله المزنيّ: لا يأخذ الزوج من المختلعة شيئًا؛ لقول الله تعالى؛ {فَلاَ تَأْخُذُواْ}، وجعلها ناسخة لآية [البقرة].
وقال ابن زيد وغيره: هي منسوخة بقوله تعالى في سورة البقرة: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: 229].
والصحيح أن هذه الآيات مُحْكَمَةٌ وليس فيها ناسخ ولا منسوخ وكلها يبني بعضها على بعض.
قال الطبريّ: هي مُحْكَمَةٌ، ولا معنى لقول بكر: إن أرادت هي العطاء؛ فقد جوّز النبيّ صلى الله عليه وسلم لثَابِت أن يأخذ منه زوجته ما ساق إليها. اهـ.